السبت، 8 أغسطس 2015

ذوبان الجليد في القطب الشمالي قد يحدث خللاً في دورة المحيطات ويؤدي إلى عواقب وخيمة



كلنا نعلم ان ذوبان الجليد في القطب الشمالي هو أمر سيء جداً. اذ كلما انخفض مستوى الجليد انخفضت أعداد الكائنات الحية هناك، مثل الدب القطبي، وانخفضت عدد السطوح العاكسة للشمس في الشمال التي تعمل على عكس أشعة الشمس إلى الفضاء، مما يسمح للأرض بإمتصاص كمية أكبر من الحرارة. ومع استمرار الاحترار العالمي برفع حرارة الأرض يستمر فقدان كمية الجليد.

لفتت دراسة نشرها موقع “Nature Climate Change” الى ضرورة الانتباه نحو مشكلة أخرى تتعلق بالجليد قد تسبب عواقب وخيمة. وبحسب هذه الدراسة، فإن انحسار الجليد قد يسبب خلل ضخم في نمط دوران المحيطات ويؤثر أيضاً في أنماط المناخ في أوروبا.
وأشارت الدراسة على سبيل المثال الجليد في كلّ من غرينلاند وايسلاند اللذان يلعبان دوراً مهماً في تشغيل تيار محيطي قوي يعرف بحركة انقلاب المحيط الأطلسي. وهذا التيار يعمل كحزام ناقل يحمل المياه الساخنة من خط الاستواء إلى الأقطاب، ثم يجر المياه الباردة مجدداً إلى مدار الاستواء لتبدأ الدورة من جديد. حركة انقلاب المحيط الأطلسي هو جزء من حزام نقل عالمي أكبر, يعمل على تحريك المياه حول الكرة الأرضية.
وعند وصول المياه الساخنة إلى الشمال، تدخل في عملية اسمها الحمل الحراري، أي انتقال الحرارة من الماء إلى الهواء. مع انتقال الحرارة من مياه المحيطات إلى الجو تبدأ درجة حرارتها بالانخفاض. المياه الباردة أكثر كثافةً من المياه الساخنة لذا تنزل إلى قاع المحيط وتنضم إلى حركة الإياب من حركة انقلاب المحيط الأطلسي التي تحملها باتجاه الجنوب مجدداً. ان هذه العملية بأكملها، من انتقال المياه شمالاً، وتبريدها، وانضمامها إلى العمق لتعود جنوباً، تعرف بعملية الإنقلاب.

ويحتاج الإنقلاب إلى ظروف محيطية خاصة حتى يتكوّن، ويكون أكثر وضوحاً في أجزاء من المحيط تعرف ب “الدوامة”، أو نظام دوران من التيارات المحيطية الدائرية. تسهّل هذه التيارات الدائرية عملية انتقال الحرارة وتساعد المياه الباردة على النزول إلى قاع المحيط لتنضم إلى التيارات المتجهة جنوباً ضمن حركة انقلاب المحيط الأطلسي.
وهنا يأتي دور جليد المحيط، فإن انتقال الحرارة يكون أكبر عندما يكون فرق الحرارة بين الماء والهواء المحيط به أكبر، أي عندما يكون الماء أسخن والهواء أبرد. وبالطبع، الهواء القريب من الجليد بارد جداً.
قبل عدة عقود، كان لا يزال هناك كثافة جليد أكبر ما يسمح بإنتقال الحرارة أسرع في المنطقة التي يحصل فيها الانقلاب، مما يجعل العملية أكثر فعالية. ولكن خلال الثلاثين إلى الأربعين عاماً السابقة ومع ارتفاع حرارة المنطقة، بدأ الجليد بالذوبان والتراجع نحو الشمال، وهذا يحدث بالتحديد في الصيف، ولكن تظهر الدراسة أن حدود الجليد تتقلص في الشتاء أيضاً.
مع أن المعلومات عن المحيطات تكون ضئيلة بالعادة، يقول ستيفان رامستورف، أستاذ في فيزياء المحيطات في جامعة بوتسدام في ألمانيا، أن الدراسة تعطي دليل ثابت. ” أعتقد بأن الباحثون قاموا بعمل جيد بالنسبة للبيانات المتعلقة بتدفق الحرارة حيث أظهروا أولاً وجود نمط في تدفق الحرارة هذا ثم ثانياً النظر في العواقب المحيطية، خاصةً المتعلقة بالحمل الحراري، الذي هو جزء مهم في تجديد مياه قاع المحيط والانقلاب واسع النطاق” يقول رامستورف.

وفيما يخص العواقب التي حددها رامستورف، يرى الباحثون بأن الانخفاض في النقل الحراري قد يحدث خللاً في انقلاب بحار غرينلاند وايسلاند ويسبب مشاكل في حركة انقلاب المحيط الأطلسي، حيث أظهرت دراسات سابقة بأنها بدأت تضعف. استخدم الباحثون نماذج ليحاولوا معرفة التأثيرات التي سيواجهها هذا التيار كنتيجة للمتغيرات. وجدوا بأن انخفاض النقل الحراري يعني بأن المياه السطحية فقط هي التي سيحدث لها حمل حراري وانقلاب، أما المياه الأكثر عمقاً فسيتم تجاهلها. وهذا قد يضعف مورود المياه الكثيفة الباردة التي تزودها المنطقة في العادة إلى حركة انقلاب المحيط الأطلسي، وبالتالي يضعف الدورة ككل.
العلماء هم أصلاً قلقون حول دورة انقلاب المحيط الأطلسي، حيث بدأت الدورة تبطؤ منذ عدة عقود. ” هذا القلق موجود منذ الثمانينيات بأن دورة الانقلاب ستضعف رداً على الاحترار العالمي، وأعتقد بأن الدليل يشير إلى بدأ هذه العملية” يقول رامستورف، من جامعة بوتسدام. وربما يكون ضعف النقل الحراري في القطب الشمالي ليس السبب الوحيد.
توصلت دراسة في مارس 2015 يقودها رامستورف إلى أن حركة انقلاب المحيط الأطلسي عانت ضعف غير مسبوق منذ السبعينيات، حيث يعتقد الباحثون بأن السبب يعود جزئياً إلى ذوبان الجليد في غرينلاند مما يضخ مياه عذبة في المنطقة. والمياه العذبة أقل كثافة من المياه المالحة، لذا لن تنزل إلى العمق. وهذا يضعف عملية الانقلاب.
ان حركة انقلاب ضعيفة في المحيط الأطلسي لديها القدرة على إحداث عواقب غير متوقعة. إذا قلّت سرعة التيار وقلت كمية المياه التي يتم نقلها شمالاً، ستقل كمية الحرارة التي تنقل في مناطق كغرب أوروبا. استناداً لمور، أوروبا قد تختبر تأثير تبريد في المستقبل كنتيجة، ولكن مقدار هذا التأثير غير معروف. من المتوقع أن يستمر التغير المناخي برفع درجات الحرارة حول العالم، لذا فإن تأثير التبريد الناتج عن الانقلاب سيتم تعويضه بالاحترار العالمي. قد تواجه أوروبا ارتفاع في درجات الحرارة، ولكن بمعدلات أقل من باقي الدول.




ختمت الدراسة على ضرورة التقليل من انبعاثات الكربون العالمية، الذي يعد السبب الرئيسي لتغير المناخ. وضع غطاء على الاحترار العالمي يعني خسران كميات أقل من الجليد في المستقبل (وذوبان أقل للكتل الجليدية)، مما يقلل الاختلالات في التيارات المحيطية الأساسية.
يقول مور: “لا يمكن اصلاح ما حصل، لا يمكنك أن تخرج وتنثر الجليد أو ما شابه في القطب الشمالي، الحل طويل الأمد الوحيد هو الحد من انبعاثات الكربون في المستقبل لتخفيف ارتفاعات الحرارة التي ستحصل في النظام”.


• المصدر: واشنطن بوست، شالسيا هارفي.